حكم من انتسب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس منهم
أضرار التبني
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:5-6]. قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4] فيه دلالة على النهي عن التبني، وكذلك قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] فيحرم على المسلم أن يتبنى إنساناً وينسبه لنفسه، ويلزمه أن ينسبه إلى أبيه الحقيقي إذا علم هذا الأمر. فإن لم يعلم فلا يجوز له أن ينسبه إلى نفسه وإن أخذه ورباه، فيقول: فلان أخي في الله، أو هذا مولاي، فنسبتهم لآبائهم هو الأعدل عند الله سبحانه، وهو الحق الذي أمر الله عز وجل به. فالإنسان الذي ربيته ليس ابناً لك ويكون هذا معروفاً بين الناس، ولا يتكلم الإنسان بعقله في مثل هذا الشيء، وما أكثر ما يقول الإنسان: الله أعلم، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. والصبي الصغير عندما يكبر سيقول للذي رباه: هذا أبي وهذه أمي، وهما ليسا بأبيه ولا أمه، والله أعلم به سبحانه وتعالى. وهذا الإنسان اليتيم قد جعل الله له أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، وتربى صلى الله عليه وسلم وهو يتيم، وماتت أمه وهو صغير عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك صار سيد الخلق وهو يتيم.
أضرار التبني على الفرد والمجتمع
ليس عيباً أن يكون الإنسان يتيماً ليس له أب، ولكن العيب أن يترك الإنسان ما يقوله الله سبحانه، ثم يحكم هواه، ويكون فعل الإنسان طاعة لله والخير له في الدنيا وفي الآخرة حين يلتزم بشرع الله تبارك وتعالى، فتكون له البركة من وراء ذلك. فمن ربى اليتيم أو كفله فإنه يؤجر عند الله سبحانه، فإذا نسبه إلى نفسه وجد شؤم ذلك يوماً من الأيام في الدنيا وفي الآخرة، فهو عاص لله تبارك وتعالى. عندما يكبر هذا اليتيم وهو يدعى لفلان قد تتبين له الحقيقة في يوم من الأيام، فيقول: لماذا كذبتم علي في ذلك؟ والكذب خيبة للإنسان، ولا يقود الإنسان إلا إلى الشر، فالإنسان إذا ربى شخصاً ثم نسبه إلى نفسه فقال إنه ابنه، فإنه في يوم من الأيام يرثه وليس له أن يرث هذا الإنسان. أو يموت هذا الذي تبناه ثم يرثه المتبني وليس من حقه ذلك. أو لعل هذا الذي تبنى يتزوج ينجب ثم يظن المتبنى أنه أخ لهذه الفتاة وليس أخاً لها، أو أخ لهذا الغلام وليس أخاً له، ويشاركه في الميراث وليس من حقه ذلك، ويظن أنه محرم لها وليس كذلك. فيتبدل أمر الله سبحانه في هذه الصورة، لذلك يخبرنا ربنا أنه لا يحل هذا التبني، حتى لا تتغير أحكام شرع الله، فيستحل ما حرم الله.
معنى قوله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به)
وقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ [الأحزاب:5] فإذا أخطأ الإنسان في شيء فلا جناح عليه، إنما الجناح في التعمد في ذلك، كأن يعرف شرع الله في كذا ثم يتعمد مخالفته. والخطأ مرفوع عن الإنسان، فإذا جهل حكماً شرعياً فأخطأ فيه، فلما تبين له الحكم عمل بما قاله الله سبحانه فهذا معذور، والإنسان إذا اجتهد في الشيء فأخطأ فيه يرفع عنه الوزر، فإذا كان من أهل الاجتهاد فإنه يؤجر على خطئه في اجتهاده. لكن إذا لم يكن من حقه أن يجتهد فليسأل أهل العلم؛ لقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا سألوا إذ جهلوا، إنما شفاء العي السؤال). قال الله سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5] فالله يغفر ما وقع فيه الإنسان من ذنب، إذا تاب إلى الله عز وجل، والله يرحم بتشريعه سبحانه، فيرفع الإثم عمن أخطأ أو سها أو نسي أو أجبر وأكره على شيء.
التغليظ على من دعي لغير أبيه وهو يعلم
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في النهي عن التبني، فقال صلى الله عليه وسلم: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام). فهذا حديث صحيح رواه البخاري و مسلم من حديث سعدبن ابي وقاس ، ومن حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنهما. ففيه: (من ادعى إلى غير أبيه) أي: من نسب إلى شخص ليس أباً له، فرضي بذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالجنة عليه حرام)، وهذا شائع عند بعض الناس، وفي بعض أوساط الناس، مثل ما يحصل لبعض الفنانين وغيرهم، فينتسب أحدهم إلى غير أبيه فيتسمى باسم فلان الذي اكتشف موهبته أو الذي عينه أو غير ذلك، فيصير اسمه على ذلك طول عمره، وهو يعلم أن هذا ليس أباً له، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ادعى إلى غير أبيه) يعني: ناداه الناس فلاناً بن فلان وهم يعلمون أن هذا ليس أباه، (فالجنة عليه حرام). فأمثال هؤلاء قد جمعوا من المآسي، بسبب ما وقعوا فيه من قول زور، ومن شهود فجور، ومن أفعال ماجنة تغضب رب العالمين، ومن تسم بغير أسمائهم الحقيقية، فجزاء كل جريمة من هذه الجرائم الدخول في النار، والحرمان من جنة رب العالمين، ثم يكونون هم الأسوة الحسنة للشباب يقتدون بهم ويحبونهم، فيأخذونهم إلى نار جهنم. أيضاً: حديث آخر له صلى الله عليه وسلم من حديث ابي ذر وهو أيضاً في الصحيحين: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر) يعني: يعلم أن أباه ليس هو الذي ادعاه ومع ذلك يسكت عن ذلك ويرضى بذلك إلا كفر.
حكم من انتسب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس منهم
قال: (ومن ادعى لقوم ليس منهم فليتبوأ مقعده من النار) كأن يدعي أنه من بني فلان، أو من عائلة فلان وهو ليس من هؤلاء. وأشر من ذلك من انتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً فيقول: أنا من آل البيت، وليس هو من آل البيت، فيزعم أنه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم وليس منهم. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس هو منهم فليتبوأ مقعده من النار). يعني: يجهز نفسه لنار جهنم، والعياذ بالله.
الشريف محمد عيسى النجار