زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها
لُقبت بالطاهرة لطهارة سيرتها ونسبها، فقد وُلدت في السنة السادسة للهجرة لأبوين شريفين؛ فأبوها على بن أبى طالب - رضى الله عنه-، وأمها السيدة "فاطمة الزهراء" بنت رسول اللَّه ( -رضى اللَّه عنها- وإخوتها: "الحسن" و"الحسين" و"أم كلثوم" .. إنها السيدة زينب.
تزوجت "عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب"، وأنجبت له ستة أولاد، منهم: "علي" و"محمد" و"عون"، و"عباس"، و"أم كلثوم".
أدركت السيدة زينب جدها النبي ( فى طفولتها فحملها بين يديه، ونعمت برؤيته المباركة.
نشأت فى بيت علم ودين، وشهدت اتساع دولة الإسلام فى عهد جدها عليه الصلاةوالسلام، ثم فى عهد "أبى بكر" و"عمر" و"عثمان" وأبيها "علي" -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.
عاشت السيدة "زينب" أحداث الفتن التي وقعت فى صفوف المسلمين، فقد احتضنت أباها حين قُتل، ورحلت مع أخيها "الحسين" إلى الكوفة، وشهدت يوم كربلاء وكان أشد الأيام عليها حزنًا وألمـًا.
ففى هذا اليوم - وهو يوم العاشر من شهر المحرم سنة 61 من الهجرة- كانت مع أخيهاالحسين تحت الحصار الذي فرضه عليهم "عبيد اللَّه بن زياد" والي الكوفة،وفى
أثناء الليل قال لها أخوها "الحسين": يا زينب إنى رأيت رسول اللَّه ( في المنام؛ فقال لي: "إنك تروح إلينا". فاضطربت "زينب" وأدركت أن ذلك يعني أن الحسين قد
حان أجله؛ فقالت: يا ويلتاه. فقال لها "الحسين": ليس لكِ الويل يا أخُيَّة! اسكتى يرحمك اللَّه. فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: واثكلاه؛ ليت الموت أعدمنى الحياة اليوم؛
ماتت "فاطمة" أُمي، و"علي" أبي،و"حسن" أخي، فنظر إليها الحسين بعطف وشفقة وقال: ياأُخية، لايذهبن حلمَكِ الشيطانُ. فقالت "زينب": بأبى أنت وأمى يا أبا عبد
اللَّه، جعلت نفسيفداك، فقال: يا أُخية، اتقي اللَّه ،تعزِّي بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لايبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه الذي خلق
الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد واحد؛ أبي خير مني،وأمى خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول اللَّه ( أسوة. فعزاها بهذا وبمثله،
وقال: يا أُُخية، إني أقسم عليك فأبرِّى قسمي، لاتشقِّى علي جيبًا، ولا تخمشي علي وجهًا، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذاأنا هلكت. وبالفعل استشهد الحسين -رضي
اللَّه عنه- واستشهد معه ولداها "محمد" و"عون" وآخرون من أهل بيتها. فجعلت "زينب" تنظر إلى جثثهم، وتجمع أشلاءهم يشاركها فى ذلك من بقي معها من النساء
والأطفال ودموعها لاتنقطع،وقلبها يكاد ينفطر من شدة الحزن والألم.. وحين أخذوها ومن معها إلى قصرابن زياد بالكوفة، ومرت على جثة أخيها "الحسين" هاجت
أشجانها وأحزانهاوأخذت تنادي: "يا محمداه.. يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مُزَمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء،.. يا محمداه، وبناتك سبايا،وذريتك مقتَّلة". فأبكت كل عدو وصديق.
ولما وصلوا الكوفة، أدخلوا زينب وأهلها على ابن زياد والي الكوفة وقتئذٍ، فلما رآها قال لها: الحمد للَّه الذي فضحكم، كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فانتفضت قائلة:
الحمد للَّه الذي أكرمنا بمحمد ( وطهرنا تطهيرًا، لا كما تقول أنت، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر، والذين قتلتهم رجال كُتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم،
وسيجمع اللَّه بينك وبينهم فتختصمون عنده. فغضب ابن زياد وأمربقتل علي بن الحسين وكان صبيًا صغيرًا. فأسرعت عمته زينب، واحتضنته وقالت: حسبك يا ابن زياد
منَّا، أما يكفيك ما رُويت من دمائنا، وهل أبقيت منَّاأحدًا؟ أسألك باللَّه إن كنت مؤمنًا، إن قتلته اقتلني معه. فقال ابن زياد: عجبًا للرحم ! واللَّه إني لأظنها ودَّت لو أني قتلتها معه؛ وصاح: دعواالغلام مع نسائه.
ثم انطلقت جنود ابن زياد بالسيدة زينب ومن معها إلى دمشق مقر خلافة يزيد بن معاوية، فلما دخلوا على "يزيد" فى قصره، بكت نساءآل هاشم إلا زينب، فقد
قالت:صدق اللَّه يايزيد :ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَالَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوابِهَا يَسْتَهْزِؤُون) [الروم:10]. أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينابأطراف الأرض
وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأساري، أن بنا هوانًا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك ،فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك،
جذلان فرحًا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمورمتسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قوله:وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَانُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا
وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آلعمران: 178]. واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وستردعلى رسول اللَّه ( وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في
حظيرةالقدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وستعلم أنت ومن بوَّأك
ومكَّنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك- أيُّنا شر مكانًا وأضعف جندًا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلاللَّه، فكِد
كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك".
فكان لهذه الكلمات وقع الصاعقة على يزيد، حيث صعب عليه الأمر فتاب إلى اللَّه، وقيل إنه قال للصبي "علي بن الحسين" حين دعاه مودعًا: لعن اللَّه ابن مرجانة -يقصد
عبيداللَّه بن زياد- أما واللَّه لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدًا إلاأعطيته إياها، ولدفعت عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن قضى اللَّه ما رأيت. ثم
قال يزيد: "يا نعمان بن بشير" جهزهم بما يصلح، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينًا، وابعث معهم خيلا وأعوانًا فيسيرون إلى المدينة. ثم كساهم وأوصى بهم
الشامي، فمازال ذلك الشامي يلطف بهم حتى دخلوا المدينة.
فقالت فاطمة لأختها "زينب":يا أُخية لقد أحسن هذا الرجل الشامى إلينا فى صحبتنا فهل لكِ أن نكافئه؟ فقالت زينب: واللَّه ما معناشيء نكافئه به إلا حُلينا. قالت فاطمة:
فنعطيه حُلينا.
فأخذت "زينب" سوارها وبعض حليها، وأخذت أختها "فاطمة" سوارها، وبعثتا بذلك إليه،واعتذرتا إليه، وقالت له: هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل.
فقالالشامي: لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان فى حُـلِـيِّـكُنَّ مايُرضيني ،ولكن واللَّه ما فعلته إلا للَّه ولقرابتكم من رسول اللَّه (.
أخذت "زينب" بعد ذلك تحكي لأهل المدينة ما فُعل بهم وما تعرضوا له، فخشى "يزيد" أن تؤلب عليه الناس، فأرسل إلى والي المدينة آمرًا بأن يفرق "آل البيت"
فىالأقطار والأمصار. فجاء الوالي إلى السيدة "زينب" وطلب منها أن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء.
فاختارت السيدة زينب أرض "مصر"، وسافرت إليها،فاستقبلها شعبها وأميرها "مسلمة بن مخلد الأنصاري" استقبالاً عظيمًا؛فبقيت -رضي اللَّه عنها- فيها حوالى عام .
وتوفيت سنة 65 للهجرة ودفنت فى جزء من هذه الدار، التي تحولت بعد ذلك إلى مسجد تقام فيه شعائر الصلاة؛وهو المسجد الزينبى المشهور بالقاهرة.
وقد روت السيدة "زينب" الكثير من الأحاديث، وروى عنها، فرضي اللَّه عنها وأرضاها